الْمَنْشُوْرَةُ الثَّالِثَةُ
أَنَا فِيْ حِيْرَةٍ مِنْ أَمْرِيْ ، وَارْتِبَاكٍ فِيْ فِكْرِيْ ، حَيْثُ وَرَدَ فِي الْحَدِيْثِ الْقُدْسِيِّ ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَالا عَيْنٌ رَأَتْ ! وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ! وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ! ) وَيَقُوْلُ عَزَّوَجَلَّ { يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ( الزخرف/71 ) وَعَلِمْتُ مِنْ قِرَاءَتِيْ فِيْ الْكُتُبِ أَنَّ مَا يَتَمَنَّاهُ الْمَرْءُ فِيْ الْجَنَّةِ يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ ذَاكَ الْمَطْلَبُ ! فَقُلْتُ فِيْ نَفْسِيْ هَذَا أَمْرٌ لا يَتَنَاسَبُ مَعَ الْعُقُوْلْ ، وَلا يَرْضَى بِهِ فِكْرُ عَالِمٍ فَضْلاً عَنِ الْجَهُوْلْ ، وَمِنْ أَيْنَ سَتَدْخُلُ الْقَنَاعَةُ بِهِ فَمَآلُهَا إِلَى الأُفُوْلْ ، فَأَنَا فِيْ حِيْرَةٍ مِنْ أَمْرِيْ ، وَازْدَادَتِ الْحِيْرَةُ حَتَّى تَوَقَّفَ عَنِ التَّفْكِيْرِ فِكْرِيْ !!
الرَّدُّ عَلَى الْمَنْشُوْرَةِ الثَّالِثَةِ
إِعْلَمْ أَيُّهَا الْحَيْرَانُ فِيْ أَمْرِهِ فِيْ مَسْأَلَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ لَهُمْ { مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( السجدة/17) وَأَنَّ فِيْ الْجَنَّةِ { مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } ( الزخرف/71 ) وَأَنَّ مَا يَتَمَنَّاهُ الْمَرْءُ فِيْ الْجَنَّةِ يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ ذَاكَ الْمَطْلَبُ ! فَحِيْرَتُكَ هَذِهِ دَلِيْلٌ عَلَى ضَعْفِ عَقْلِكَ ، وَسُوْءِ فَهْمِكَ ، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِكَ ، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَحْصُلُوْنَ عَلَى مَطَالِبِهِمْ بِالتَّمَنِّيْ ! وَيَجِدُوْنَ مَا أَرَادُوْهُ بِمُجَرَّدِ الإِرَادَةْ ! فَيَحْصُلُوْنَ عَلَى الْمُرَادِ دُوْنَ نَقْصٍ وَلا زِيَادَةْ ، وَهَذَا لَيْسَ يَا مُحْتَارُ غَرِيْبًا ، وَلا يُعْتَبَرُ فِيْ زَمَانِنَا بِالذَّاتِ أَمْرًا عَجِيْبًا ، فَالآنَ أَصْبَحَ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسْ ، أَيُّهَا الْمُحْتَارُ الَّذِيْ أَغْرَاهُ الْخَنَّاسْ ، يَشْتَرُوْنَ مُحْتَاجَاتِهِمْ وَهُمْ أَمَامَ جِهَازِ ( الْحَاسُوْبِ ) جُلُوْسٌ ، فَيَكْتُبُوْنَ مَا أَرَادُوا عَلَى سَطْحِ زُجَاجْ ، بِدُوْنِ قَلَمٍ وَلا مِدَادْ ! وَإِنَّمَا هُنَاكَ بَرْنَامَجٌ وَإِعْدَادْ ، وَبِمُجَرَّدِ ضَغْطٍ عَلَى آلَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَاوْسُ أَوِالْفَارَةْ , يَأْتِيْهِمْ بَعْدَ لَحَظَاتٍ مَا طَلَبُوْهُ بِأَخْصَرِ عِبَارَةْ ! وَهُمْ فِيْ بُيُوْتِهِمْ عَلَى الْكَرَاسِيْ جُلُوْسْ ! فَيَأْتِيْهِمْ مَا أَرَادُوْهُ وَمَا تَشْتَهِيْهِ النُّفُوْسْ ! أَلَدَيْكَ جِهَازُ ( الْحَاسُوْبِ ) أَمْ أَهْدِيْ لَكْ ، لِتَتَحَقَّقَ مِمَّا أَقُوْلُهُ لَكْ ؟ وَسَأَشْتَرِيْ لَكَ مِنْ ( سُوْبَرِ مَارْكِتْ ) مَا تُرِيْدُ أَنْ تَمْلِكْ ! دُوْنَ أَنْ تَذْهَبَ وَفِيْ رُفْقَتِكَ أَهْلُكْ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا صُنْعُ بَشَرٍ مَخْلُوْقْ ، هَيَّأَ لَكَ وَنَظَّمَ كُلَّ مَا تَحْتَاجَهُ مِنَ السُّوْقْ ! أَتَسْتَغْرِبُ مِنْ صُنْعِ الْخَالِقِ وَمَا أَعَدَّهُ لَكْ ، وَهُوَ خَالِقُ مَنْ صَنَعَ الْجِهَازَ وَمَا مَلَكْ ؟! فَسُبْحَانَهُ الْقَوِيُّ الْقَدِيْرْ ، السَّمِيْعُ الْبَصِيْرْ فَارْجِعْ عَنْ غَيِّكَ ، وَأُبْ إِلَى رُشْدِكَ ، وَتُبْ إِلَى اللهِ مِنَ الْجِدَالِ الْعَقِيْمْ ، وَلا تُلْقِ بَالاً لِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمْ ، حَتَّى وَإِنْ عَدِمَ النَّظِيْرْ ، فَآمِنْ بِاللهِ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرْ .
********************
يتبع