"باب الحارة".. مشروع فني كبير

الدرامات الرمضانية باتت تشكل وجبة ضرورية على موائد الافطار الشهية وأصبحنا ونحن في منازلنا مشدودين بقوة إلى ماتمليه علينا هذه الأعمال الدرامية من حكايا وأفكار ومن قصص وأسمار...
والحقيقة أن الدراما التي هبت رياحها النشطة منذ أعوام وازداد الاقبال عليها من قبل الأنام تقلصت عطاءاتها وانكمشت نتاجاتها هذا العام لتقدم لنا القليل من المسلسلات الرمضانية التي حملت عناوين مختلفة لكنها تشاركت في تبنيها الممثلين نفسهم وبالتالي فقد تنافرت في طروحاتها أحياناً لكنها في أحيان أخرى شملت المضامين نفسها حتى بات المشاهد في حيرة من أمره ولم يعد يدري أي عمل تلفزيوني كان في نهار الأمس يتابعه ومن ذلك على سبيل المثال مسلسل «باب الحارة» الذي تفرغ عنه المسلسل الشامي «بيت جدي» وهنا كانت الالتباسات كبيرة والاختراقات كثيرة مع الفارق الملحوظ في جودة الأداء وجمالية الصورة والأضواء مابين المسلسلين الآنفي الذكر مما ساهم في أن يخلط بعض المشاهدين بين مفاصل هذين العملين وبات على واحدهم أن يكون حاضر الذهن ليعرف لماذا حرص الكاتب على أن يكون «العكيد» في مسلسل باب الحارة مفقوداً وفي بيت جدي غائباً وليس له وجود، ورئيس المخفر في العمل الأول مصوب بالبارود وأبو صبري مطعون بالسكين والاثنان طريحا الفراش كابهى مايكون في المستشفيات حيث السيروم والعلاج والأسرة النظيفة والعناية الطبية الراقية مع رغبة كل منهما في الانتقام ممن أرادوا تخليص الحارة من كل ماارتكبوه بحق أفرادها من آثام... ‏
والحقيقة التي لامفر من الاعتراف بها هي أن الكاتب «مروان قاوون» هو من قطف ملامح هامة من الوجه الدمشقي وسلط الأضواء على جوانب من المفردات البيئية التي عرفتها شامنا في مطلع القرن العشرين سواء أكان ذلك في مسلسل «باب الحارة» أم مسلسل «بيت جدي» الذي حمل عنواناً آخر في بعض القنوات وهو «الشام العدية» مما أضاع المشاهد الذي كان يود القراءة أكثر في حكايات دمشقنا الحبيبة وشامنا العتيدة.
.. وفي بعض الشرح التاريخي أقول إن دمشق هي من أقدم مدن التاريخ وأمنعها وأكثرها جمالاً وسحراً وبهاء وفيها قال أحمد شوقي: «.. وعز الشرق أوله دمشق».. وعنها جاء في صحيح البخاري: «.. عليكم بالشام فإنها خيرة الله في أرضه» كما روى أبو هريرة: «.. أربع مدائن في الدنيا هي الجنة: مكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق» .. ودمشق هي من كرمها الرسول الكريم حين قال: «الشام كنانتي من أرادها بسوء رميته بسهم منها..» ‏
.. ولم يهمل الشعراء في قصيدهم لغة التغني بدمشق ومفاتنها حيث قال الصنوبري في ذلك: ‏
صفت دنيا دمشق لقاطنيها... فلست ترى بغير دمشق دنيا. ‏
بينما قال أبو العباس بن الحسن في حي الصالحية العريق: ‏
الصالحية جنة والصالحون بها أقاموا
فعلى الديار وأهلها مني ‏
التحية والسلام ‏
وهنا سأبتعد قليلاً عن كل ماقيل في الشام وأهلها ودمشق وجمالها لأنقل ماقاله شفيق جبري فيها حين ضربها المستعمر بالقنابل سنة 1945 وهو: ‏
يايوم أيار والنيران ملهبة على دمشق تلظيها جلاميد ‏
الطفل في المهد لم تهدأ سريرته ‏
مروّع من لهيب النار منكود ‏
من هنا سأعود إلى المسلسلين الآنفي الذكر «باب الحارة» و«بيت جدي» لأؤكد أن المخرج التراثي «بسام الملا» الذي أطلقت عليه هذه الصفة منذ سنوات هو من اجتهد كثيراً من أجل إنعاش ذاكرتنا الشعبية والتاريخية حتى أيقظ في عيون الأجيال المعاصرة صورة الأجداد المذهّبة بالأصالة وذات الأطياف النورانية الثرية بالشهامة والمروءة والمؤطرة برموز دمشقية خالدة تحمل معاني الشرف العنيد وكل تفاصيل المقاومة والصمود.. وعليه فقد استطاع هذا المخرج بجدارة واصرار أن يتولى على مدى الأعوام قيادة مشروع وطني هام وأن يفتح للجميع سجلاتنا الايجابية الحافلة بمواويل الشام القديمة ذات النكهة العريقة من أجل أن يكحل الحاضر بشموس الفخار وكل مايعزز في داخلنا دفقات من دم عربي حار يستصرخ الوجدان بأن لاننسى هذا أبداً.. ولا أن نغفو يوماً عنه أو ننام.. ‏
أجل ولقد استطاع المخرج التراثي «بسام الملا» أيضاً أن يخلق ظاهرة جديدة وهي ظاهرة المتابعة الشغوفة بل وإزكاء نار الوله المجنون والمفتون بكل فصول وأجزاء «باب الحارة الميمون» وكيف لا يكون ذلك وهو في كل جزء منه يحاول التأكيد على الأصالة والعراقة وعلى أهمية الحفاظ على موروثاتنا الاجتماعية والأخلاقية والوطنية عوضاً عن الاستعاضة عنها بكل ماهو مستورد وغريب عنا وشائن.. وكل ماهو مدسوس ومحبط أو فاسد ومدمر وذلك بدءاً من الشذوذ الوجداني والابتعاد عن تركة الأجداد من وصايا تناشدنا ألا يتقاعس واحدنا عن نصرة أخيه وأن ينزع كل منا عن أركانه ملاءات النرجسية الصفراء وأن يبذل الروح من أجل وطن حر.. من أجل حارة نظيفة وهانئة.. من أجل كرامة غالية ومصونة وامرأة غير مهانة لافي مسارها أو مظهرها الذي راح يحاكي مؤخرا مظاهر الموضة الشائنة والشاردة في بلاد الغرب الحاقد على شامنا ودمشقنا.. على بوابات حاراتنا وعلى مواقف الرجال الثابتة التي تنطق بالرجولة والإباء. ‏
ومن قبيل التأكيد على كل من يشك في رمزية «باب الحارة» أقول: .. إن بيوتاتنا العربية الدمشقية القديمة كانت تحمل التفاصيل نفسها من حيث المساحة والتصميم ومن حيث الجمال والزخرفة وكل ماهو بديع وبهيج وهي الآن متوزعة في دمشق القديمة تشهد نزوحاً شبابياً إليها في كل نهار ومساء من أجل التمعن بها والتعايش مع أجوائها الدافئة والحميمية.. ‏
وأتابع في بعض التفصيل بأن الحارات القديمة كان لكل منها بوابة و«عكيد» وكان فيها «مقاهٍ» يهرع إليها الرجال بعد عناء نهار طويل طلباً للراحة واستماعاً للحكواتي الذي يحدثهم عن عنترة الشجاع وعن أبي زيد الهلالي وماإلى ذلك من حكايا تثير الحماسة والشهامة لاكما يجري اليوم في الشاشات الفضائية من استعراضات رخيصة أحياناً وفيديو كليبات شائنة ومعيبة..، وإضافة إلى ذلك فقد كانت المرأة وكما أوردها «الملا» ترتدي الملاءة السوداء في الخارج لكنها كانت معززة داخل بيتها لأنها هي من تشرف عليه وعلى تربية أولادها وهذا بالطبع يتواءم مع دور المرأة التي تنادي الدول المتطورة في العودة إليه وإذا كانت اللفظة الحنون «ابن عمي» مايدين بها البعض نساءنا آنذاك لأن فيها إهانة وضعفاً وإذلالاً فالعم هو من أرحام الأسرة وهو الحامي لها وليس عيباً قط في أن تنادي المرأة زوجها بـ «ابن عمي» ليبقى ذاك اللفظ رهناً بتلك المرحلة التاريخية كما هو مؤكد ومعلوم.. ‏
.. وأتابع: ..إن مسلسل «باب الحارة» مسلسل هام ولقد دفع نجاحه الكبير الآخرين إلى تقليده ومحاكاته في صورة ربما جاءت مشوهة لأنها محملة بالأخطاء والعثرات التاريخية والاجتماعية والاخراجية بدءاً من ترديد كلمة «موظف دولة».. إلى معركة واهية في مقدمة العمل ووصولاً إلى راعٍ حليق الذقن.. والحكاية هنا طويلة.. إضافة إلى هذا فإن انتقاد البعض لهذا العمل كان بسبب الإقبال الجماهيري الكبير على مشاهدته ومن يرى الشباب في «القهاوي الشعبية» وهم في غاية الحماس لمتابعته يتأكد من أصالة هذا المسلسل الهام ومن قدرة المخرج «بسام الملا» على الإمساك به والحفاظ على جماهيرته على مدى سنوات طوال رغم خروج العديد من النجوم والأبطال من كوادره ولقد لمسنا النجاح المنقطع النظير لهذا المسلسل القدير وذلك دونما اعلانات مبهرة واستعراضات فاخرة.. فالنجاح ليس رهناً فقط بالغلاف الخارجي إنما يحمله لنا المضمون الداخلي والتفاصيل الغنية والمليئة بالروحانية والغيرية والوجدان وهو مانشتاق إليه هذه الأيام بعد أن سئم الانسان المعاصر والشفاف من كل الاملاءات والبهرجات الملونة بألوان فاقعة غايتها بعيدة كل البعد عما يختلج في داخلنا من مواسم حنين إلى الوفاء.. إلى العطاء.. إلى مقاومة الاستعباد بكل شكل له ومفصل.. ولاأدري؟!.

نقلا عن صحيفة تشرين السورية .

تسلمي

» هل ينسي الانسان من تسبب في جرحة """"""""للنقاش
» انا عضوة جديدة بدي ترحيب كبير كبير
» سعدان يستبعد لموشيه وشاوشي من "الخضر" والأخير يعترف بـ"طيشه"
» ""أيتها الفتاه.... كيف تجعلين جسمك ناعم و طري ""
» صور كواااااااااليس باب الحارة 4 .......