جاءت أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إن الله بعثك للرجالِ والنساءِ كافَّةً، فآمنّا بك وبإلهك، وإنا معشرَ النساءِ محصوراتٌ، مقصوراتٌ، قواعدُ بيوتِكم، وحاملاتُ أولادِكم، وإنكم معشرَ الرجالِ فُضِّلْتُم علينا بالجمعِ والجماعاتِ، وفُضِّلْتُم بشهودِ الجنائزِ وفُضَّلْتُم علينا بالحجَّ بعدَ الحجِّ، وأعظمُ من ذلك الجهادُ في سبيل الله، وإن الرجلَ منكم إذا خرجَ لحجٍ أو عمرةٍ أو جهادٍ، جلسْنا في بيوتِكم نحفظُ أموالكم، ونربِّي أولادَكم، ونغزلُ ثيابكم، فهل نشاركُكْم فيما أعطاكم اللهُ من الخيِر والأجرِ؟! فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [هل تعلَمون امرأةً أحسنَ سؤالاً عن أمور دينِها من هذه المرأة؟!] قالوا: يا رسول الله ما ظننا امرأةً تسأل سؤالها فقال عليه الصلاة والسلام: [يا أسماء أفهمي عنَّي.. أخبري من ورائك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها لمرضاته، واتبعاها لرغباته يعدل ذلك كله] فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر. أخرجه البيهقي.
ولقد قامت المرأة المسلمة بدورها الريادي في التربية والتوجيه، في عصرنا الحاضر، وقبله في سلف هذه الأمة أمثلةً لا تُعدُ حصراً، إيمان بالله، وحسنُ تربية، ونصح وتوجيه، فبيتها دار الحضانة الأسمى، بل هو جامعةٌ يتخرج منها القادة والساسة والعلماء والوزراء والأطباء، والمفكرين والكُتاب. ولنا أن نتساءل من أنجبت ابن سعدي وابن إبراهيم وابن بازٍ وابن عثيمين رحمهم الله، إلا النساء.. وهاكم أمثلةً من سلفنا الصالح..
يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني. هذه هي أم أمير المؤمنين في الحديث.
وقبل ذلك حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة: كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام؟
وذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم رضي الله عنها أنها آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم جعلت تلقِّن ابنها أنساً – وكان صغيراً- وتشير إليه: قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل، فلما كبر أتت به النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي صلى الله عليه وسلم فكانت له صحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته رضي الله عنه معروفة.
مقومات إثبات المرأة جدارتها في إصلاح المجتمع
أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية دور المرأة المسلمة في إصلاح بيتها، ومن ثَمَّ إصلاح المجتمع . ونحن لا نُناقش الآن أهمية ذلك، بل نُطالبها بالتميز لتُثبت جدارتها كما كانت نساء السلف الصالح.